لطفى عبد اللطيف يكتب: جريمة اسمها "التأشيرة الحرة".. والعمالة المصرية بالخليج
قبل أسبوعين اعتصم 76 مصريا من المخالفين لأنظمة العمل والإقامة فى المملكة العربية السعودية داخل القنصلية المصرية بحى السفارات بالرياض، وطردوا العاملين فى القنصلية، وأوقفوا جميع الخدمات التى تقدمها القنصلية، بعد أن أصابهم اليأس وتقطعت بهم السبل، وفشلوا فى إيجاد حلول لتوفيق أوضاعهم بصفة نظامية؛ مما اضطر القنصلية إلى تغيير مكان تقديم خدماتها بعيدا عن مكان المعتصمين.
وتكرر الأمر بصورة أكبر عندما اقتحم السبت الماضى قرابة ستة آلاف من المصريين المخالفين لأنظمة العمل والإقامة مبنى القنصلية المصرية فى جدة، مطالبين بإنهاء أوضاعهم، ومساعدتهم فى استخراج وثائق سفر، أو حل مشكلاتهم مع الكفلاء أو الشركات التى يعملون بها، أو بلاغات الهروب المقدمة ضدهم من كفلائهم، ولكن الكثير من هؤلاء من متخلفى العمرة والحج الذين رفضوا العودة بعد انتهاء تأشيراتهم والبقاء والعمل بصورة غير نظامية.
والأمر أعتقد أنه سيتكرر مع اقتراب انتهاء المدة المحددة بثلاثة أشهر لتوفيق أوضاع العمالة المقيمة فى المملكة؛ حيث وجه خادم الحرمين الشريفين وزارتى الداخلية والعمل باتخاذ الإجراءات وتيسير السبل أمام العمالة المخالفة لتوفيق أوضاعها، إما بنقل الكفالات والتعاقد مع مؤسسات وشركات غير التى يعملون بها ولديهم مشكلات معها، وإما بتغيير المهنة، فالمحاسب لا بد أن يعمل محاسبا لدى جهة عمله، وكذلك المهندس والمعلم وغيرها من المهن، وعدم السماح بالعمل ضد الغير، أو ما يعرف بالعمل الحر فى السوق، وأغلب هؤلاء من العمالة المهنية.
وهذه الإجراءات مطبقة على جميع العمالة المقيمة فى السعودية، ولا تستثنى مصريين ولا يمنيين ولا أسيويين، ومن هنا بدأت المشكلات وتعقدت الأمور، فى ظل عدم وضوح الإجراءات المتبعة التى لا بد أن يسلكها المخالفون لتوفيق أوضاعهم، أو عدم وجود جوازات سفر أو وثائق ثبوتية أو إقامات نظامية.
وتوافد الآلاف من العمالة غير النظامية إلى إدارات جوازات الوافدين "الترحيلات"؛ بهدف توفيق أوضاعهم أو الحصول على تأشيرات الخروج النهائى فى طوابير ممتدة إلى أكثر من 2 كم، وطوابير أمام القنصليتين فى جدة والرياض، وسوف تتفاقم الأزمة بعد أقل من شهر مع انتهاء الاختبارات وتوافد الآلاف إلى القنصليتين لإنهاء إجراءات سفر أبنائهم أو توثيق شهادات الثانوية العامة أو تجديد تصريحات العمل وغيرها من الخدمات القنصلية.
ومما يؤسف له أن الأوضاع والإمكانات البشرية، سواء داخل القنصلية المصرية فى جدة أو فى الرياض ضعيفة جدا، ولا تستطيع تحمل هذه الأعباء، فعدد الموظفين محدود، ولا يمكن إنجاز كل هذه الخدمات، وعدد المستشارين العماليين لا يتجاوز الستة فى الرياض وجدة، وهذا عدد ضعيف وقليل جدا، ناهيك عن الخدمات الإلكترونية، وتعقيد الإجراءات، والبيروقراطية والتشبث بتقديم الأوراق، فى الوقت الذى خطت فيه الدول الخليجية خطوات كبيرة فى تطبيق الحكومة الإلكترونية، فحاليا معظم -إن لم تكن كل- الخدمات الحكومية والبنكية صارت عبر الإنترنت، فيستطيع المصرى المقيم فى المملكة دفع رسوم تجديد الإقامة أو استخراج التأشيرات له ولأولاده، وتجديد رخصة القيادة، ودفع الفواتير المياه والكهرباء والاتصالات عبر الإنترنت.
كذلك افتقاد العمل الدبلوماسى والقنصلى إلى قراءة الأزمات بصورة مسبقة والاستعداد لها، وتشكيل فريق لحل الأزمات، فمشكلات توفيق أوضاع العمالة فى السعودية كان معروفا قبل بدء إجراءات التفتيش على العمالة المخالفة، ومداهمات للعشوائيات التى يوجد فيها المخالفون، ومطاردات تجار التأشيرات والعمالة غير النظامية، وتشدد وزارة العمل مع الشركات والمؤسسات التى لا تلتزم بنسب سعودة الوظائف، وعمل ما يسمى بـ"النطاقات"، فالشركات التى تخالف نسبة السعودة يتم وضعها فى "القائمة الحمراء"، وتغلق عليها جميع الخدمات الإلكترونية من تجديد إقامات وتأشيرات خروج وعودة وغيرها، ثم تبع هذه الإجراءات بقرارات حاسمة بمنع العمل لدى غير الكفلاء، ومن يتم ضبطه يعمل لدى الغير يقبض عليه ويوضع فى الترحيلات، وقامت حملات موسعة فى جميع مناطق المملكة لمطاردة المخالفين وترحيل الآلاف من الجنسيات المختلفة من المخالفين.
وبعد عدة أيام من حملات المطاردة ومطالبات مؤسسات المجتمع المدنى والحملات الإعلامية بإعطاء فرصة للمخالفين لتوفيق الأوضاع صدرت التوجيهات بمهلة الشهور الثلاثة مع إلغاء كل الغرامات على المخالفين وإسقاطها تماما، وتؤكد السلطات السعودية أنها لن تمددها، ومن ثم على أى مصرى مخالف أن يوفق وضعه خلال شهرين على الأكثر.
ومما يؤسف له أن وزارة الخارجية لم تتخذ أى خطوات لمعالجة هذا الأمر، وتركت للقنصليات "تدبير حالها"، حتى ولو كان حالها لا يسر عدوا ولا حبيبا، ولا تملك الكوادر البشرية الكافية، ولا الإمكانات ولا الرؤية الواضحة لإيجاد حلول ناجعة لهذه الأزمة الكبيرة.
كنا نتمنى أن تقوم وزارة الخارجية بالتعاون مع وزارة العمل والداخلية بإيفاد فرق عمل لدعم القنصليتين فى جدة والرياض، كما فعلت أيام الانتخابات البرلمانية والرئاسية، وتوفير الإمكانات اللازمة لها، ومعرفة الواقع على الطبيعة وإيجاد حلول للمشكلات، لا الاكتفاء بالصمت أو كان الأمر لا يعنى "الخارجية".
نعم هناك استنفار كامل للقنصليتين فى جدة والرياض، ولجان شكلت للوجود فى مواقع قريبة من إدارات الترحيلات توجد يوميا لتذليل بعض المشكلات، ومشاركة من مؤسسات المجتمع المدنى فى الجالية، ممثلة فى صندوق رعاية المصريين بالرياض، والجمعيات والروابط المهنية والجغرافية، والدور التطوعى الكبير الذى يقوم به ثلة من المستشارين القانونيين والمحامين المصريين فى السعودية لتقديم المشورة والخدمات للعمالة، ولكن لا يحق للمحامى المصرى الترافع أمام المحاكم السعودية أو الاستفسار عن قضية مصرى فى مراكز الشرطة أو لدى هيئة التحقيق والادعاء، فالترافع أمام المحاكم السعودية، يقتصر على المحامين السعوديين، وتكاليف أبسط قضية يتجاوز العشرين ألف ريال، ويشكل عبئا كبيرا على العمالة.
ونحن نطالب وزارة الخارجية بسرعة التحرك، ودعم القنصليتين فى جدة والرياض بالكوادر والإمكانات، فمن المؤسف جدا ألا يكون هناك صندوق مالى يصرف على المصرى الذى يقع فى مشكلة، والمحزن أن الـ67 الذين اعتصموا فى القنصلية كان يصرف على معيشتهم من إخوانهم فى صندوق رعاية المصريين ومن أبناء الجالية، فى الوقت الذى تحصل القنصلية مبالغ طائلة من خدماتها، وكذلك نطالب وزارة القوى العاملة بعدم اعتماد ما يسمى بـ"التأشيرة الحرة" أو "التأشيرة التجارية"؛ لأن معظم البلايا والمصائب التى حلت بالعمالة المصرية فى الخليج جاءت من وراء هذه التأشيرة الوهمية، ومكاتب السفر فى مصر التى تتاجر بآلام المصريين.. أوقفوا هذه المهزلة فورا.